تشجع منظمات المنصة جميع الجمعيات الوطنية والدولية على الطعن أمام القضاء الإداري الليبي ضد اللوائح والقرارات الصادرة منذ 2016 من السلطات التنفيذية الليبية في الشرق والغرب بشأن تنظيم عمل الجمعيات، وذلك وفقًا للحكم الصادر من المحكمة العليا الليبية، في نوفمبر 2005، بخصوص الطعن الإداري رقم 163 / 49، جاء فيه: “وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن القرار الإداري إذا كان مشوباً بعيب عدم الاختصاص، فإنه يكون معدوماً بسبب ما شابه من عيب جسيم ولا يتقيد رفع الدعوى في هذه الحالة بميعاد معين.“
إذ بموجب هذه اللوائح والقرارات بشأن تنظيم عمل الجمعيات تغتصب السلطة التنفيذية كافة السلطات المخولة للسلطة التشريعية حسب المادة 15 من الإعلان الدستوري، التي تشترط أن تكفل الدولة حرية تكوين الأحزاب السياسية والجمعيات وسائر منظمات المجتمع المدني، ويصدر قانون من السلطة التشريعية بتنظيمها، وتقصر دور السلطات التنفيذية على إصدار قرارات ولوائح تستجيب لفحوى هذا القانون وتنفذ بنوده. وهو ما سبق وأشار له الحكم الصادر من المحكمة العليا الليبية، في ديسمبر 1991، بخصوص الطعن الإداري رقم 37/39 جاء فيه: “إن الفقه جرى على أن العمل الإداري لا يفقد صفته الإدارية ولا يكون معدومًا إلا إذا كان مشوبًا بمخالفة جسيمة، وذلك بأن كان القرار معيبًا بعيب جوهري من شأنه أن يجعله من قبيل الفعل المادي، كأن تباشر السلطة التنفيذية عملاً من اختصاص السلطة التشريعية أو السلطة القضائية.”
تمارس السلطات التنفيذية في ليبيا تقييدًا ممنهجًا للحق في تكوين الجمعيات، سواء الوطنية أو الدولية، الأمر الذي لا يقتصر فقط على الحقوقية منها، وإنما يمتد أيضا للمنظمات والجمعيات التنموية، وتلك المعنية بالتعليم، أو الإغاثة، والمساعدات الإنسانية. فخلال السنوات الأربعة الماضية، أتفق ممثلو السلطات الليبية في الشرق والغرب -رغم صراعهم الدائر على السلطة- على مصادرة الحق في حرية التعبير والحق في حرية تكوين الجمعيات على نحو مثير للقلق، يعصف بشكل كامل بالتزامات ليبيا الدولية التي تضمن تمتع الشعب الليبي بهذه الحقوق.
وفي هذا السياق، يعرب ائتلاف المنصة عن قلقه البالغ إزاء التعميم الصادر في 11 نوفمبر 2019 من قبل مفوضية المجتمع المدني بطرابلس، التابعة لحكومة الوفاق بالمجلس الرئاسي،[1] والذي يعطي للجمعيات الدولية مهلة حتى منتصف ديسمبر القادم، لتقديم تقاريرها المالية السنوية والتسجيل وفقًا للقرار 286 لعام 2019، “وإلا أصبح عملها في البلاد غير قانوني، بما يستتبع غلقها دون الحاجة لأذن قضائي”. وبالمثل كانت مكاتب مفوضية المجتمع المدني في غرب وشرق ليبيا قد بدأت في إجبار الجمعيات المحلية أيضًا على إعادة التسجيل وفقًا للائحتين (1، 2) الصادرتين في 2016 والقرار رقم 286 الصادر في 2019، عن مفوضية المجتمع المدني التابعة للحكومة المؤقتة، مهددة بالحل أو وقف النشاط أو إعادة التسجيل كل من رفض ذلك، دون أدنى تدخل من السلطات القضائية. فعلى سبيل المثال، أصدر مكتب المفوضية في مصراته القرار رقم 29 بوقف 19 جمعية ليبية عن العمل في مايو الماضي، بينما في بنغازي تم تجميد عمل 37 جمعية ليبية بموجب القرار رقم 3 الصادر في فبراير 2019.
ومن ثم، تذّكر منظمات المنصة السلطات التنفيذية الليبية بما أكده تقرير المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع الـسلمي والحـق في حرية تكوين الجمعيات، ماينا كياي[2] والمقدم للجمعية العام بالأمم المتحدة في مايو 2012: “ينطبق الحق في حرية تكوين الجمعيات طوال فترة وجود الجمعية. ويعتبر وقف عمل جمعية وحلها غير الطوعي النوعين الأشد صرامة من القيود المفروضة على حرية تكوين الجمعيات. وعليه، لا ينبغي السماح بذلك إلا إذا كان هناك خطر جلي ومحدق يؤدي إلى انتهاك جسيم للقانون الوطني، مع الامتثال للقانون الدولي لحقوق الإنسان. وينبغي أن يتناسب هذا الإجراء تمامًا مع الهدف المشروع المنشود، ولا ينبغي استخدامه إلا عندما تكون التدابير الأكثر مرونة غير كافية.” ووفقًا للاجتهاد القضائي في منظمة العمل الدولية، لا ينبغي أن تتخذ قرارات حل منظمات العمل “إلا في حالات في غاية الجسامة، ولا ينبغي تنفيذ إجراءات الحل المذكورة إلا بموجب قرار قضائي بحيث تكون حقوق الدفاع مكفولة تمامًا.”
لقد تجاوز تدخل السلطات التنفيذية وتقيدها الحق المشروع في تكوين الجمعيات حدود الاختصاص، فلم يتضمن فقط سلطات الحل أو التقييد أو وقف النشاط، وإنما امتد أيضا للتدخل في طبيعة عمل الجمعيات المصرح بعملها. ففي 31 أغسطس 2019 أصدرت مفوضية المجتمع المدني طرابلس تعميم بحظر مشاركة أعضاء الجمعيات الليبية في أي فعاليات خارج ليبيا دون موافقة مسبقة بـ 15 يومًا. وفي مايو 2018 نشرت دار الإفتاء بغرب ليبيا فتوى بمنع التواصل مع المنظمات الأجنبية إلا من خلال وزارة الخارجية الليبية، التي تنفرد وحدها بسلطة الموافقة أو الرفض. وفي مارس 2018 أصدر مدير فرع المفوضية ببنغازي تعميمًا بإلزام المنظمات بالإبلاغ عن أي نشاط بالتعاون مع المنظمات الدولية قبل عشرة أيام من تنظيم الفعالية، لمنح الإذن أو المنع.
وبناء عليه تطالب منظمات المنصة المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات بالأمم المتحدة، بإرسال نداء عاجل للسلطات الليبية يدعوها لوقف انتهاك حرية تكوين الجمعيات، ويضمن التناول العلني للانتهاكات الليبية لهذا الحق. كما تؤكد المنصة على أن التضييق المستمر على المجتمع المدني الليبي يحرمه من القيام بدوره في تحسين الوضع الحقوقي والإنساني والاجتماعي والسياسي في ليبيا.
[1] تنقسم مفوضية المجتمع المدني حاليًا إلى مؤسستين تصدر عنهما قرارات متضاربة، فمجلس إدارة المفوضية تشكل بموجب قرار الحكومة المؤقتة سنة 2016 ويتبعه 27 فرعًا تلتزم بتبعيتها لـلحكومة المؤقتة في الشرق، ما عدا فرع طرابلس. وفي 8 أغسطس 2018 صدر قرار من الحكومة المؤقتة بإعفاء رئيس مجلس إدارة مفوضية المجتمع المدني “عبير امنينه” من منصبها، وتعيين “علي العبيدي” بدلاً عنها. وذلك بعدما أصدر المجلس الرئاسي في 2 أغسطس القرار رقم 160 لسنة 2018 بتشكيل مجلس إدارة المفوضية، فأصبح عمليًا للمفوضية مجلسي إدارة، وخاصة مع نقل تبعية المفوضية إلى مجلس الوزراء بحكومة الوفاق.
[2] تقرير المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع الـسلمي والحـق في حرية تكوين الجمعيات، ماينا كياي، والمقدم للجمعية العام بالأمم المتحدة في مايو 2012، ص 25، الفقرة 75.