توم وستكوت / طرابلس
منذ بداية هذا العام 2015 ، لقي أكثـر 3000 مهاجراً حتفهم في عرض البحر الأبيض المتوسط بعد انطلاقهم في قوارب المهربين من السواحل الليبية نحو إيطاليا. ويقوم متطوعون من جمعية الهلال الأحمر الليبي بالتعامل مع الجثث المتحللة والمنتفخة بعد أن حملتها الأمواج إلى الشاطئ.
وعلى الرغم من ضعف الدعم وقلة المعدات ، استطاع الفريق التابع لجمعية الهلال الأحمر الليبي ، الذي يتكون من 10 متطوعين ، من انتشال قرابة 200 جثة منذ منتصف شهر سبتمبر الماضي فقط .
وفي هذا الصدد ، يقول مالك محمد المصراتي المسئول الإعلامي لجمعية الهلال الأحمر الليبي : “عادة ما تصل الجثث إلى الشاطئ بعد يوم أو يومين من غرق القارب ، عندما تقذفهم الأمواج إلى الشاطئ … وعندما يشاهد خفر السواحل أو الصيادون المحليون قطعاً من حطام القوارب أو جثثاً في البحر ، يتصلون بنا ولكن نظراً لأننا لا نمتلك قوارب ، نضطر للانتظار حتى تحمل الرياح والأمواج الجثث إلى الشاطئ” .
فريق الهلال الأحمر الليبي ينتشر الجثث من شواطئ طرابلس
في الوقت الذي تبدأ فيه الجثث في الوصول إلى الساحل ، يقوم المتطوعون في بعض الأحيان بالسباحة لانتشالها وتعليقاً على هذا يقول حسام ناصر ، وهو متطوع في جمعية الهلال الأحمر الليبي : “إذا ظلت الجثة في المياه لأكثر من ثلاثة أيام ، تصبح في حالة سيئة بسبب المياه المالحة ، التي تؤدي إلى تراكم الضغط داخل الجثة ، مما يجعلها تنتفخ ” .
والجدير بالذكر أن حالة عدم الاستقرار في ليبيا والحدود المليئة بالثغرات أدت إلى ارتفاع أعداد المهاجرين الذين يستخدمون البلاد كقاعدة خلفية لعبور البحر المتوسط إلى أوروبا منذ عام 2013 ، ولكن المصراتي قال أن أكبر زيادة في جثث الموتى التي تحملها الأمواج إلى الشاطئ حدثت منذ منتصف عام 2014 .
وقد دفعت الحملة التي تشنها قوات الأمن الليبية مؤخراً بهدف القضاء على عصابات تهريب المهاجرين في غرب مدينة زواره التي تٌعد واحدة من أكثر النقاط التي تستخدم لانطلاق المهاجرين ، المهربين على إرسال المزيد من السفن من ضواحي طرابلس في الشهرين الأخيرين وعلى الرغم من أن الصيف هو موسم الذروة لانطلاق تلك القوارب ، فإن فصل الخريف لا يزال يشهد ازدحاما في ظل أن العديد من المهاجرين يبذلون محولات مستميتة من أجل الوصول إلى أوروبا قبل أن تصبح الرحلة في البحر أكثر خطورة بسبب أمواج الشتاء العاصفة .
وسرد ناصر التفاصيل المروعة للجثث التي ساعد في انتشالها– بطون مفتوحة ، رؤوس مهشمة حتى الأنف ، أصابع وأرسغ اليدين منتفخة جداً لدرجة يستحيل معها إزالة خاتم الزفاف أو ساعة اليد : هذه السيناريوهات يديرها الفريق الهلال الأحمر الليبي دون ملابس واقية مناسبة أو حتى أقنعة.
متطوعو الهلال الاحمر الليبي يستخدمون الحبال لسحب جثة مهاجر إلي قمة منحدر بشواطئ تاجوراء شرقي طرابلس .
بعد جمع الجثث ، يقوم فريق الهلال الأحمر الليبي بتحميلها في سيارة الإسعاف المبردة الوحيدة التابعة للجمعية ليتم نقلها بعد ذلك إلى أحد المتشفيين الرئيسيين في طرابلس. وهناك يقوم الطبيب الشرعي بفحص كل جثة لتحديد سبب الوفاة وأخذ عينات من الحمض النووي.
ويضيف المصراتي أن “اختبارات الحمض النووي في ليبيا ليست جيدة جداً ، ولذلك يتم إرسال العينات إلى الأردن ، وفي وقت لاحق يرسلون لهم النتائج ” .
وبالطبع نادراً ما تنجو وثائق الهوية بعدما تغمرها المياه ، وغالباً ما يستحيل التعرف على الجثث بعد مكوثها لعدة أيام في البحر. ويتم تخزين نتائج الحمض النووي في قاعدة بيانات لضمان وجود سجل لكل شخص تم العثور عليه، على أمل أن تسهل هذه العملية تحديد الهوية في المستقبل.
ونظراً لأن عدداً قليلاً من المهاجرين لهم أقارب في ليبيا فنادراً ما تسفر النتائج عن تطابق فوري، ولكن في بعض الأحيان يتصل أقارب المتوفين من بلدان أخرى وتوضيحاً لذلك يقول عمر علي محمد الذي يدير قسم المفقودين في جمعية الهلال الأحمر الليبي : “على سبيل المثال اتصل شخص هاتفياً أمس من السودان ، واليوم جاء رجل إلى المكتب ليسأل عن شقيقه الذي ركب قارباً للهجرة إلى أوروبا ولم يسمع أي أنباء عنه من ذلك الحين ” .
يقدم الأقارب تفاصيل عن أي علامات أو ملامح مميزة يمكن أن تساعد في تحديد الهوية مثل المجوهرات الوشم وحتى الملابس. وإذا كانوا بمقدورهم القدوم إلى طرابلس ، عندئذ يمكن أخذ عينات من الحمض النووي ومقارنتها بقاعدة البيانات.
وفي ظل وجود جثث كثيرة جداً وعدد قليل جداً من المتطوعين ، يضطر الفريق للانتظار إلى أن يتم تجميع أكثر من 40 جثة في المشرحة ثم يقوم بنقلها ودفنها. ولكن إجراءات الدفن تشكل تحدياً ، إذ يتعين على الطواقم الطبية والمتطوعين التأكد من دين كل شخص متوفى ويمكن أن تساعد وثائق إثبات الهوية أو المجوهرات في تحديد بعض المسيحيين ، في حين يكون ختان الذكور هو المؤشر الوحيد على أن الرجل قد يكون مسلماً.
وفي طرابلس يتم دفن جثث المسيحيين في مقبرة مسيحية إيطالية تعود إلى فترة الاستعمار ، في حين يتم دفن المسلمين في مقبرة خصصتها السلطات طرابلس لجثث الرجال والنساء والأطفال المجهولين الذين يموتون في البحر الأبيض المتوسط.
قبور لمهاجرين غرقوا في البحر المتوسط بمقبرة مسيحية في طرابلس ، ويوجد على كل منها شاهد يحمل تاريخ الدفن ورقم مرجعي بقاعدة البيانات للحمض النووي .
وتم تخصيص جزء بالمقبرة جزء لجثث الأشخاص الذين تتعذر معرفة ديانتهم. وقال المصراتي “نتعامل مع الجثث جميعاً باحترام ووفق التقاليد الإسلامية “.
ويتم وضع علامتين لتمييز كل قبر في شكل قطعتين من الرخام محفور عليهما رقم تعريف يتوافق مع قاعدة بيانات الحمض النووي. وتوضع قطعة على السطح والأخرى داخل القبر للتأكد من أنه، حتى في حالة تلف التربة السطحية ، يمكن تتبع هوية الجثة بالرجوع إلى قاعدة البيانات.
وقد تلقى ثلاثة متطوعين فقط تدريباً رسمياً من فرع اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، التي انتقل مقرها إلى تونس منذ بدء المعارك في طرابلس في صيف عام 2014.
وذكر المصراتي أن “هناك العديد من المتطوعين الشباب الذين يرغبون في مساعدة هذا البلد … الموضوع يتعلق بالعمل الإنساني والرغبة في المساعدة حيثما نستطيع “.
من جانبه وصف ستيفين فونسيكا مستشار الطب الشرعي في اللجنة الدولية للصليب الأحمر ما يقوم به متطوعو جمعية الهلال الأحمر الليبي بأنه “عمل إنساني استثنائي يُنجز في ظل ظروف صعبة “.
وقد بدأت اللجنة الدولية لصليب الأحمر تدريب وتجهيز الفرق الليبية في التعامل مع الجثث في عام 2011 بغية تمكينها على الاستجابة في المناطق المنكوبة بالصراعات
وفي هذا الصدد أوضح عمار ، المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن المنظمة زادت دعمها للفرق في السنوات القليلة الماضية في ظل تدهور الحالة الأمنية وتزايد أعداد جثث المهاجرين الذين تقذفهم الأمواج على طول الساحل الليبي وشمل هذا الدعم تدريب أكثر من 80 متطوعاً على التعامل الملائم مع جثث الموتى فضلاً عن توفير أكياس لحفظ الجثث وبعض المعدات الواقية.
ولكن عبد الحميد الصويعي الذي يرأس فريق إدارة الجثث في طرابلس يرى أن هذا الدعم أقل كثيراً من المطلوب : “نحن نعمل بدون أي إمكانيات ونحتاج إلى الكثير من الأشياء … فنحن لا نمتلك الملابس الواقية المناسبة ومعظم المتطوعين يرتدون الملابس العادية عند انتشال الجثث. نحن بحاجة ماسة إلى قارب لمساعدتنا في عمليات الإنقاذ وإلى مركبة أخرى “.
وقال عمار أن الصليب الأحمر أرسل 1,345 كيساً لحفظ الجثث إلى 12 فرعاً من فروع جمعية الهلال الأحمر الليبي منذ بداية العام ، ولكن الصويعي قال أن عدد الأكياس التي يحصل عليها فريق طرابلس نادراً ما تكون كافية
فريق الهلال الأحمر الليبي يواجه نقصاً في الضروريات الأساسية لإدارة الجثث بما فيها أكياس الحفظ والمعدات .
وتأتي الأموال القليلة التي تتلقاها جمعية الهلال الأحمر الليبي من التبرعات التي يقدمها أفراد الجمهور ورجال الأعمال المحليين ، الذين ينتبهون إلى هذه الحالة البائسة على صفحة الجمعية على موقع الفيسبوك .
المصدر : شبكة إيرين الإنسانية