الأذرع الروسية في الإعلام الليبي
طرابلس 20 إبريل / يُتابع المركز الليبي لحرية الصحافة بقلق كبير الوثائق الأخيرة التي توضح بشكل جلي التدخل الروسي وضلوعها في تمويل وسائل إعلامية ليبية موالية لقوات الجنرال خليفة حفتر وأنصار النظام السابق ، والتي يبث بعضها من القاهرة .
و وفقاً لتحقيق نشره مرصد ستانفورد للسياسات الإلكترونية حول التغطية الإعلامية خلال فترة النزاع الليبي ، والأذرع الإعلامية للدول الأجنبية الضالعة في العنف بليبيا ، وملكية وسائل الإعلام والتعمد الروسي للتدخل والتلاعب في المعلومات عبر شبكات التواصل االاجتماعي للتأثير في المشهد الليبي[1]
حيث يُشير التحقيق الذي نشر عبر مرصد ستانفورد للإنترنت الى جوانب جديدة تتعلق بالتلاعب في بيئة الإعلام اللييبي بقوله ” يبدو أن الممثلين الروس يقومون برعاية واجهات وسائل إعلام إخبارية عبر الإنترنت وصفحات بموقع فيسبوك ، ويتوسعون في أنشطة مماثلة في دعم وتمويل وسائل إعلامية تلفزيونية أبرزها قناة الجماهيرية الموالية لنجل العقيد الراحل سيف الإسلام معمر القذافي ” والذي يبدو أنه لا يزال على قيد الحياة ، وربما لديه إطلاع أوسع على المؤامرة التي يقودها الكرملين بأذرعه العسكرية والإعلامية المختلفة في ليبيا.
ويصف مرصد ستانفورد للإنترنت الإستراتيجية التي تتخذها روسيا من خلال التمويل الخفي لعلامة تجارية معروفة جيدة لوسائل الإعلام المحلية وتحديثها للعصر الرقمي يصفها بإنها من حقبة الحرب الباردة ، في إشارة لقناتي الجماهيرية وليبيا الحدث .
منذ العام الماضي 2019 ، أصبح التدخل الروسي واضحاً في تأجيج الحرب وتغذية النزاع في ليبيا ، وذلك بمشاركة عناصر شركة فاغنر الروسية المٌرتبطة برجل الأعمال الروسي “يفجيني بريجوزين” المُقرب من الرئيس الروسي “فلاديمير بوتن ” بدعم فصائل عسكرية أسسها الجنرال الليبي خليفة حفتر تحت مُسمي ” الجيش الوطني الليبي ” ، بهدف استقطاب العسكريين ورجال الأمن والمخابرات في ليبيا وتشجيعهم للإنضمام إليه ، إلا إنه فشل في السيطرة على مقاليد السُلطة المركزية بعد مقاومة مستميتة من قبل حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة ومجلس الأمن وبتحالفها مع تركيا لصد الهجوم العنيف الذي شنه الجنرال الليبي حفتر منذ إبريل عام 2019 ، ومُستمر حتى الأن .
ووفقاً للتحقيق الوثائقي، فإن الدعم الروسي الخفي لا يعتمد على الأسلحة والمرتزقة فقط ، بل يمتد للتأثير على عمليات التواصل الاجتماعي ودعم وسائل الإعلام الموالية لخليفة حفتر وسيف القذافي كمرشحين سياسيين لحُكم ليبيا ، وقد انشأت صفحات على فيسبوك داعمة للاثنين ومرتبطة برجل الأعمال الروسي ” بيفجيني بريجوزين ” ويهدف للتقارب بين المشروعين الأول الذي يقوده حفتر والثاني الذي يُمثله سيف القذافي .
ومن المتوقع أن سياسة الكرملين تجتهد لتحشيد الجهود وراء عودة سيف القذافي إلى الحُكم مجدداً بجانب دعمهم للجنرال خليفة حفتر ، وهي ضمن استراتيجية واسعة تستخدم فيها وسائل الإعلام التقليدية وشبكات التواصل الاجتماعية للتأثير في الجمهور الليبي .
الدعم الروسي لوسائل الإعلام الليبية الموجهة التي تفتقد للمصداقية والمعايير المهنية ، ودعم منشيئي المحتوى الليبيين هدفه تضليل الجمهور الليبي وتزوير المحتوى بالأوهام المُختلفة ، حتى لا يتم التفريق بين المحتوى الروسي الموجه والمحتوى الليبي لتحشيد المؤيدين للنظام السابق للوقوف وراء خليفة حفتر الذي يتخذ من بنغازي معقلاً له .
وقد أظهرت وثائق تحصل عليها فريق مرصد ستانفورد وثيقة مُسربة ترتبط بمجموعة رجل الأعمال بريجوزين مؤرخة بتاريخ 20 مارس 2019 من مركز دوسيير [2] وهو “منظمة تحقق تتخذ من لندن مقر لها” أوضحت الوثائق ثلاثة مسارات تدخل روسي في الإعلام الليبي وهي :
- تملك الشركة الروسية المرتبطة برجل الأعمال الروسي “بريجوزين ” الحليف المقرب “لفلاديمير بوتين” 50% من قيمة رأس المال لقناة الجماهيرية التي تبث من العاصمة المصرية القاهرة ويُديرها الشاعر ورئيس هيئة الإذاعات الجماهيرية بالنظام السابق “علي الكيلاني” وهي تدعم حالياً سيف الإسلام القذافي المختفي عن الأنظار ، إلا إن التقديرات تُشير إلى أنه على قيد الحياة.
كانت قناة الجماهيرية المؤيدة تاريخياً للقذافي الأب قبل تمويلها من الروس ، تعاني من صعوبات مالية عدة وتضييقات أمنية كبيرة من قبل النظام المصري ومحاولات مُتكررة من قبل المؤتمر الوطني العام سابقاً ” المجلس التأسيسي ” لإقفالها والتشويش عليها ، قبل وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للسلطة بإنقلاب عسكري في يونيو 2014 ، والسماح لهم بالبث بشكل قانوني في القاهرة وقد تحولت القناة فجأة لدعمها للجنرل خليفة حفتر وعمليته العسكرية في السيطرة على ليبيا ، فطرأ تغيير كبير على الخط التحريري وتقارب بين أنصار القذافي وعملية الكرامة التي يقودها حفتر منذ 2014 .
- كما أنشأت الشركة الروسية صحيفة تُسمى صوت الشعب ، و المٌلفت للنظر هو الدعم الروسي لإصدار هذه الجريدة التي تصدر باسم التكتل المدني الديمقراطي في بنغازي ، والذي يُعرف بمعاديته الشديدة لحكومة الوفاق الوطني وتأييده لخليفة حفتر ، وكانت توزع في مدينة بنغازي ، ولكن يُعتقد إنها لم تستمر .
عرفت الجريدة بإنتقادها لمشروع الدستور الليبي الجديد ولسياسات حكومة الوفاق الوطني وتوزع ثلاثة آلاف نسخة بالمناطق التي يسيطر عليها خليفة حفتر ، وهي سياسة روسية متبعة في عدة دول.
- تقديم خدمات استشارية إعلامية لقناة ليبيا الحدث التي يملكها نجل الجنرال خليفة حفتر (صدام) ، وتبث من قاعدة عسكرية شرقي ليبيا ، ويُديرها الصحفي الليبي محمود الفرجاني ذو العلاقة المتينة والعائلية مع خليفة حفتر منذ عام 2016 .
تؤكد المعلومات التي جمعها فريق الراصدين بمنصة فالصو مدى ضلوع قناتي الجماهيرية والحدث في نشر خطاب الكراهية وبث الإشاعات والأخبار المُضللة والكاذبة التي تشمل الدعوة إلى العنف والسب والشتم والتحريض وتمجيد الأشخاص وفبركة الصور والفيديوهات ، وقد تم رصد التالي والذي سينشر تباعاً بداية من مطلع مايو القادم .
- قناة الجماهيرية : 615 إخلال مهني إرتكبته خلال الفترة المُمتدة بين شهري ديسمبر 2019 ، ويناير 2020
( قناة الجماهيرية وسيلة مؤثرة ويتابع حسابها على الفيسبوك حوالي 1,027,969 متابع ويدار الحساب من 8 أدمن من ليبيا و7 من مصر وأدمن واحد من تونس وأدمن واحد من المملكة المتحدة ).
- قناة الحدث : 427 إخلال مهني إرتكبته الوسيلة خلال الفترة المُمتدة بين شهري ديسمبر 2019 ، من ديسمبر و يناير 2020.
( قناة الحدث وسيلة مؤثرة ويتابع حسابها على الفيسبوك حوالي 1,665,691 متابع ويدار الحساب من 9 أدمن من ليبيا ).
على ما يبدو إن كافة المعلومات والوثائق المُسربة التي إرتكز عليها التحقيق قد تحصل عليها مركز دوسيير بعد أن قام ضباط بالمخابرات الليبية عقب القبض على خلية روسية في طرابلس وهم مكسيم شوغالي ومترجمه (واستطاع شخص ثالث التملص من الاعتقال) بوشاية من المخابرات الامريكية في مايو 2019 حسب صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية[3]، هذه المجموعة التي يرأسها مكسيم شوغالي الذي يتبع شركة أمنية خاصة مرتبطة ببريجوزين الحليف المقرب من بوتين والكريملين كانت تجري إستطلاعات للرأي لمعرفة المرشحين الأبرز للإنتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا المُزمع إقامتها في نهاية العام الماضي وفقاً لخارطة الطريق التي كان من المقرر إقامتها بعقد الملتقي الوطني الجامع في إبريل والإنتخابات العامة بنهاية العام ، إلا إن قوات حفتر قطعت الطريق وأدخلت البلاد في دوامة الحرب.
وقد رصد في ديسمبر 2019 تزايد لهاشتاج #السراج_خائن_ليبيا ، بعد توقيع رئيس حكومة الوفاق الوطني إتفاقية أمنية وبحرية مع الحكومة التركية ، وقد لُوحظ أن الهاشتاج لديه نمط توزيع مريب من قبل جهات مختصة بالتسويق الرقمي ويُعتقد أن من بينها شركة (سمات) المختصة بالتسويق الرقمي في السعودية.
منذ أواخر عام 2018 ، يعمل المركز الليبي لحرية الصحافة على دراسة ميدانية تتعلق بملكية وسائل الإعلام[4] ، وقد تم اختيار ما يُقارب من 24 وسيلة إعلامية ليبية العديد منها يبث من خارج ليبيا ، وقد أوضحت العديد من النتائج غياب كامل للشفافية المُتعلقة برأس المال أو أسماء المالكين الحقيقيين وأغلب هذه الوسائل تدعمها دول خليجية كقطر والإمارات وغربية أبرزها روسيا.
وقد أفضت عمليات التحقق من الحسابات الرسمية لوسائل الإعلام على شبكات الإجتماعية لمعرفة بعض المالكين والإداريين بهذه الوسائل الإعلامية وأماكن إدارتها ونشرها للاخبار والمعلومات المُضللة ، وسيتم نشرها بمطلع مايو القادم بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة.
وعلى إثر ذلك أنشأ المركز الليبي لحرية الصحافة، منصة رقمية ” فالصو “[5] لرصد خطاب الكراهية والأخبار الزائفة في 15 وسيلة إعلامية يعمل راصدون على مُتابعتها والتدقيق في المحتوى الذي تنشره هذه الوسائل الإعلامية على مواقعها الإلكترونية وفيسبوك ، بالإضافة للتحقق من الصور والإشاعات التي تنتشر عبر فيسبوك بشكل عمومي.
وتُظهر كافة المعلومات التي يتحصل عليها فريق الرصد المُشكل مؤخراً بالمركز، على صعوبة تتعلق بتفسير السياسات التحريرية التي تتخذها هذه الوسائل الإعلامية ، والدول الأجنبية التي تقوم بتمويلها وتأثيرها على المحتوى الصحفي ، فضلاً على تزايد الحسابات الوهمية التي تؤثر في الرأي العام الليبي ولعل ما دفع شركة تويتر في إبريل الماضي من هذا العام إلى إزالة 5350 حساباُ مرتبطا بالسعودية ومصر والإمارات وغيرهما من الدول يعمل على نشر المعلومات الزائفة وتضليل الجمهور الليبي ودعم حليفها الليبي خليفة حفتر وغيرها من الدول العربية المُستهدفة كالسودان .
[1]https://stanford.io/2VogC8N : مرصد ستانفورد : روسيا وتمويل وسائل الإعلام الليبية
[2]https://khodorkovsky.com/مركز دوسيير :
[3] تقرير لصحيفة نيويورك تايمز حول التدخل الروسي في ليبيا : https://nyti.ms/3euTJYC
[4]دراسة ميدانية حول ملكية وسائل الإعلام في ليبيا سيصدرها المركز الليبي لحرية الصحافة في مايو القادم
[5]للمزيد من المعلومات حول منصة فالصو : www.Falso.ly