السيد فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني
السادة أعضـاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني
تحية طيبة وبعد
لقد حُرم الصحفيون الليبيون طيلة عقود مضت من حقوقهم المعنوية والمادية، وجُرّدت منهم أبسط الحريات الإعلامية ليجدوا أنفسهم تابعاً سياسياً ذليلاً للنظام السابق، وحالياً تابعاً لأطراف سياسية وجهوية تُسيطر على ملكية وإدارة وسائل الإعلام الخاصة، بدلاً من أن يتمتعوا بالاستقلالية والحماية اللازمة؛ لافتقادهم للأطر القانونية والأخلاقيات المهنية .
ورغم سقف التطلعات العالي ما بعد سقوط أدوات القمع القديمة، وتوفر مناخ جزئي للحريات والتعددية الإعلامية، لكن الصحفيين والإعلاميين لا يزالون يعيشون أشكالاً جديدة من السلب لحقوقهم المعنوية والمهنية، وهي لا تقل خطورة عن الممارسات القديمة في ظل التفكك السياسي والفراغ القانوني والنزاع المسلح بين الليبيين ليجدوا أنفسهم في قبضة الإفلات من العقاب، وإدارة ضعيفة قادت المرافق والمؤسسات الإعلامية العمومية إلي الانهيار والتشقق، بل وصل الأمر إلى سرقة المعدات، وتخريب المباني، وبيع أرشيف التلفزيون الوطني، وغير ذلك من الممارسات غير القانونية .
وبالنظر إلى حالة الفوضى والتشرذم التي تعيشها ليبيا عقب انهيار العملية الديمقراطية بعد عام 2014 ، فإن مؤسسات الإعلام العمومية انقسمت بين الشرق والغرب، وأصبح هناك مؤسسات إعلامية موازية زادت من انهيار وتفكك إداراتها، وفرار العشرات من كوادرها الجيدة لكنها لا تزال تعاني تكدساً وظيفياً لآلاف العناصر غير المؤهلة، والتي عُيّنت بالوساطات والمحسوبيات، فضلاً عن سيطرة مسلحين على مبانيها، أو الزحف والاستيلاء بالقوة على بعض المباني والأملاك التي تعود لهذه المرافق، ومثال على ذلك ما حدث للتلفزيون الليبي، ووكالة الأنباء، ومركز تطوير الإعلام، وشركة المطابع.
ومن المقلق للغاية أن العديد من المليشيات المسلحة بدأت تتحكم في القرار الإداري للمؤسسات الإعلامية، ووصل بها الأمر إلى منع عرض برامج ولقاءات بعينها بحجج واهية، ما يعني أن هذه المؤسسات الإعلامية لا تتمتع بالاستقلالية والرعاية من مجلس الوزراء .
لقد فشلت الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011 في وضع رؤية وطنية موحدة تقوم على أساس الإصلاح الهيكلي والإداري والبناء القانوني لوسائل الإعلام السمعية والبصرية والصحف العمومية، ونتيجة غياب الرؤية والتخطيط السياسات الإعلامية الجيدة واللوائح التنظيمية فقد غرقت وسائل الإعلام والصحف والمنصات الإلكترونية في وحل خطاب الكراهية والدعوة للعنف وتبييض صورة الإرهاب، في ظل انعدام وجود رقيب على هذه المؤسسات الإعلامية خصوصاً الخاصة منها .
ووفقاً للاتفاق السياسي الذي نأمل أن يسير بليبيا قدماً نحو تحقيق العدالة والمصالحة الوطنية بين الليبيين، نود تذكيركم بأهمية العمل على إعادة إصلاح قطاع الإعلام والصحافة بوصفه من المسارات المهمة لوحدة ليبيا وضمان استقرارها، والتريث في اتخاذ القرارات المتعلقة بقطاع الإعلام، والتشاور مع أصحاب المهنة والخبراء ومنظمات المجتمع المدني، فضلاً عن أهمية وضع معايير مهنية ووصف وظيفي في اختيار مديري المؤسسات الإعلامية العمومية بالكامل، ونبذ التعيينات العشوائية المبنية على المحسوبية والولاءات .
وهنا لا بد من الإشارة إشارة واضحة إلى تنامي الفساد والفشل الذريع في مؤسسات ومرافق الإعلام العمومي، نتيجة تعيين أشخاص غير أكفاء ولامؤهلين إطلاقاً في إدارة القطاع، يفتقدون لأي دراية بإدارة المؤسسات الإعلامية وطرق التخطيط لها، فليس من المعقول أن تسمي قناة بالوطنية وأخري بالرسمية، وهي تسميات لا معنى لها إطلاقاً، وتدل على قصر فهم لطبيعة عمل الوسائل الإعلامية.
نقدم لكم رؤيتنـا لعملية إعادة حوكمة قطاع الصحافة والإعلام بما يؤدي إلى إعادة تفعيله وبناء إعلام وطني مهني، ضمن استراتيجية وطنية :
*- إعداد مرسوم رئـاسي مؤقت يتضمن استحداث المجلس الوطني الأعلى للإعلام والصحافة الذي يُكلف بالتخطيط لوضع رؤية وطنية جامعة للإصلاح الهيكلي للمرافق الإعلامية والبناء الإداري لها .
*- وضع معايير مهنية ووصف وظيفي واضح لرئاسة وعضوية المجلس، بالإضافة إلى تعيينات جديدة لكافة المؤسسات الإعلامية العمومية وفقاً لبرامج المجلس ورؤيته في الإصلاح والتغيير .
*- إعادة النظر في الهيكلية الإدارية لكافة المؤسسات الإعلامية، وتقييم الأداء والموارد البشرية، وجرد الأصول والممتلكات، وإعادة عملية الدمج وتوحيد المؤسسات الإعلامية بمختلف فروعها على مستوى ليبيا .
*- إعداد كراسة شروط لمنح التراخيص للإعلام السمعي والبصري، وتسوية أوضاع وسائل الإعلام التي تبث خارج النطاق القانوني .
*- إنشاء مرصد إعلامي تتركز مهامه على مراقبة خطاب الكراهية والعنف والتحريض في وسائل الإعلام الخاصة، ويتبع المجلس الأعلى للإعلام والصحافة.
ومن هنـا واستجابة لمتطلبات بناء دولة المؤسسات والتحول إلي الديمقراطية فقد برزت أهمية المجلس الوطني للإعلام والصحافة، وهو مجلس رقابي تنفيذي يعمل على تحقيق التنظيم الذاتي للقطـاع.
وعليه فإننا في هذه الرسالة المفتوحة نحمّلكم المسؤولية الكاملة في دعم وإصلاح قطاع الإعلام من خلال الحل الأمثل، وهو إنشاء المجلس الأعلى للإعلام والصحافة، ومحاولة إنهاء دوامة الفوضى والفراغ، ووقف محاولات إغراق المشهد الإعلامي بتمويلات مشبوهة لقطاع الإعلام الخاص، وهيمنة المجموعات المسلحة والأطراف السياسية على الإعلام العمومي لظنهم أن ذلك يُمكّنهم من فرض واقع يصعب إصلاحه وتغييره.
ولذلك ننبه كافة الصحفيين والإعلاميين إلي إنه لا يُمكن أن يتمتعوا بحقهم في الوصول للمعلومات، وإيجاد إعلام وطني حر مبني على التعددية وملتزم بالأخلاقيات المهنية، بدون وجود المجلس الأعلى للصحافة والإعلام الذي هو مؤسسة وطنية تتمتع بالاستقلالية تُشرف على عملية التنظيم الذاتي للقطاع .