جانب من المدنيون والأطفال المشردون جراء الحرب الدائرة بالبلدة .
أوباري / توم ويستكوت
أصبح المدنيون في واحة أوباري بجنوب ليبيا عالقين في صراع يعزلهم عن العالم الخارجي ، فالمؤن والمساعدات تكاد تكون معدومة والمستشفى هناك بالكاد قادر على العمل ولذلك غالباً ما يموت الجرحى متأثرين بإصاباتهم قبل أن يتمكنوا من الحصول على المساعدة التي يحتاجون إليها.
يجلس كريم المصري في واحدة من أربع غرف لا تزال تعمل في المستشفى الذي كان في الماضي مزدحماً ومترامي الأطراف.وقبل عام واحد كان مجهزاً تجهيزاً جيداًوكان معظم العاملين به من الموظفين الوافدين من الهند ثم بدأت الحرب الأهلية بالمدينة في شهر نوفمبر عام 2014 فر الموظفون الهنود عندما وصلت الاشتباكات إلى المستشفى وتعرض قسم الولادة للقصف وأصبح المصري وهو جراح متخصص من جمهورية مصر العربية الآن هو الطبيب الوحيد في المستشفى.
ونظراً لانتشار الحواجز على امتداد الطريق الوحيد الذي يربط بين أوباري والمناطق الساحلية في شمال البلاد ، لا تصل إلى المدينة سوى مستلزمات طبية ضئيلة جداً .
وفي هذا الإطار يقول المصري : “ليس لدينا تخدير عام ولا طبيب تخدير ، ولذلك لا يمكن إجراء عمليات جراحية في حالات الطوارئ إلا باستخدام مخدر موضعي والمسكنات. ولا توجد أساساً أي وسيلة لإنقاذ المرضى هنا وقد مات الكثيرون منهم بلا داع لأنهم لم يتمكنوا من الحصول على العلاج الذي يحتاجون إليه كان ينبغي أن يكونوا على قيد الحياة الآن”.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك نقصاً في المواد الأساسية اسطوانات الاوكسجين فارغة ، ويلجأ المتطوعون واسعوا الحيلة إلى استخدام شريط لاصق عادي وتقطيع شرائح عادية من الجزء الخلفي اللاصق للملاءات الجراحية من أجل توفير أجهزة التنقيط الوريدية والضمادات ولا يوجد فيلم لالتقاط الصور بالأشعة السينية وبالتالي لا يمكن تحديد موقع الإصابات الداخلية بدقة ، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تحويل العمليات الجراحية إلى محاولات تعتمد جزئياً على التخمين.
وبالنسبة لمدينة متورطة في الصراع ، هذا يجعل سكانها البالغ عددهم أكثر من 30,000 نسمة يواجهون أزمة طبية ولكن المأزق الذي يعانيه سكان أوباري مثل المجتمعات الأخرى المحاصرة في جنوب ليبيا الذي يعاني من العزلة وقلة عدد السكان من غير المرجح أن يكون شاغلاً ملحاً في طرابلس وقد انزلقت البلاد إلى حرب شاملة منذ انتفاضة 2011 التي أطاحت بمعمر القذافي، الذي حكم البلاد لفترة طويلة من السلطة بمساعدة التدخل العسكري الأجنبي.
وغالباً ما يدور القتال داخل أوباري وفي المناطق المحيطة بها بين اثنتين من القبائل الصحراوية الأصلية وهما الطوارق والتبو وهو صورة مصغرة للصراع الأوسع نطاقاً في ليبيا بين الحكومتين المتناحرتين والميليشيات المتحالفة معهما تدعم قبائل الطوارق الحكومة في طرابلس في حين تدعم قبائل التبو الحكومة المعترف بها دولياً في شرق ليبيا ، ويتهم كلا الجانبين الآخر بتجنيد مقاتلين من دول الجوار. وتندلع اشتباكات متفرقة في ضواحي أوباري السكنية وتصل إلى جبل تيندي المطل على المدينة وكذلك في المدينة نفسها التي أصبحت أجزاء منها مناطق محظورة على المدنيين.
كما أصبحت حوادث إطلاق النار من قبل قناصة وقتال الشوارع العشوائي أموراً شائعة مما يجعل السكان – الذين يحمل كثيرون منهم السلاح – في حالة استنفار دائم وحتى المستشفى ليس آمناً إذ تقول عائشة منير الممرضة المتطوعة التي تبلغ من العمر 24 عاماً أنها كادت تلقى مصرعها خلال تبادل لإطلاق النار بينما كانت تُخرج القمامة.
والجدير بالذكر أن المشكلة الرئيسية بالنسبة للمصابين بجروح خطيرة هي العزلة الشديدة التي تعاني منها أوباري : يقع أقرب مستشفى على بعد 100 كيلومتر إلى الشمال في تضاريس صحراوية وعرة في بلدة ادري وهي أيضاً لا تضم سوى مرافق محدودة ومن هناك يتم نقل المرضى بعد استقرار حالاتهم إلى العاصمة. وتُنقل الحالات العاجلة من خلال حقل الشرارة النفطي بالطائرة لا يزال الحقل خاملاً منذ نوفمبر الماضي ولكن الرحلات الجوية المخصصة لنقل عمال النفط والمؤن تُستخدم الآن بشكل متقطع لمساعدة المدنيين. وقد لقي 15 مصاباً على الأقل حتفهم أثناء انتظار وصول طائرة أو أثناء نقلهم عبر الصحراء.
كما فرت أكثر من 500 عائلة من الطوارق وفقاً للجنة الأزمات وهي تجمع لشيوخ وممثلي المجتمع المدني وكان هناك مدنيون بين الـ200 قتيل الذين سقطوا في صفوف الطوارق حتى الآن خلال الصراع وفقاً لقائد عسكري في أوباري .
وقد تم إجلاء معظم أسر التبو بحسب صحفي محلي أضاف أن عدد ضحايا التبو بلغ 76 قتيلاً وأكثر من 80 جريحاً ونظراً لأنهم يشكلون الأقلية في أوباري يفضل التبو طلب العلاج في بلدة مرزق التي يشكلون فيها الأغلبية والتي تبعد 130 كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي.
وهناك نقص حتى في المواد الغذائية الأساسية مثل الحليب وحفاظات الأطفال وتلجأ الأسر الأكثر فقراً التي تعاني من نقص في الأموال بعد شهور من الصراع إلى شراء المواد الغذائية بطريقة الائتمان والرهن .
كما أن حالات التيفوئيد آخذة في التزايد وإمدادات مياه الشرب متقطعة وأتلفها القتال مما يجبر الأسر على البحث عن مصادر أخرى بعضها ملوث وتشهد حالات السل ارتفاعاً أيضاً ومن دون لقاحات للأطفال – بما في ذلك لقاحات شلل الأطفال والنكاف – يلوح خطر الإصابة بمزيد من الأمراض في الأفق.
ويقول المصري وهو يهز رأسه “إن الوضع يزداد سوءاً ” ونظراً لإغلاق البنوك في المدينة لم يحصل على أجره منذ أكثر من عام لكنه يقول أنه لا يستطيع العودة إلى عائلته في مصر. ويتساءل مستنكراً “كيف يمكن أن أغادر ؟ “، مشيراً إلى غرفة العمليات المتواضعة وموظفيها المتطوعين الذين يعتبرونه واحداً من أهم أعضاء المجتمع وأكثرهم قيمة – فهو الشخص الوحيد الذي يمكن أن ينقذ رجلاً مصاباً أو امرأة في مرحلة المخاض وتعاني من مضاعفات. ولكن إنقاذ الأرواح يزداد صعوبة.
رجل ليبي يحصل على دواء من الصيدلية الوحيدة في أوباري
وعلى الرغم من قيام وفود من شيوخ القبائل بزيارة كلتا الحكومتين لشرح هذا الوضع اليائس ، فلم تمد أياً منهما يد المساعدة وفقاً لعضو لجنة الأزمات مصطفى بابا أحمد وقد أرسلت بعض المنظمات غير الحكومية كميات متواضعة من المساعدات الإنسانية عدة مرات عن طريق الرحلات الجوية من حقول النفط ولكنها لم تغط احتياجات السكان كما أوضح مضيفاً أن الأزمة الطبية في المدينة قد وصلت الآن إلى مرحلة حرجة.
ويوضح فني الجراحة عبده سالم الذي يعمل في المستشفى منذ عام 1985 أن عدم وجود لوازم إيقاف النزيف الداخلي وخياطة الجروح الداخلية أو الخارجية يجعل العمليات الجراحية عالية المخاطر وتبدو عليه نظرة رجل يائس فمن المستحيل تقنياً القيام بأي عمليات جراحية في المستشفى ولكنهم يواصلون إجراءها في حالات الطوارئ كما يقول،لأنه لا يوجد خيار آخر.
وهناك مرفقان طبيان متواضعان آخران يعملان الآن في أوباري: مستشفى ميداني مؤقت وعلى مشارف البلدة الصيدلية الوحيدة في المدينةولكن المخزون أصبح ضئيلاً بشكل خطير بما في ذلك المضادات الحيوية وأدوية علاج ارتفاع ضغط الدم وكذلك الأدوية المضادة لسموم لدغات العقرب الشائعة في ذروة الصيف في صحراء ليبيا الجنوبية. وقد توفي ثلاثة أطفال جراء لدغات العقارب خلال شهر رمضان وحده، حسبما ذكرت متطوعة تساعد في إدارة الصيدلية والمستشفى الميداني.
والجدير بالذكر أن المستشفى الميداني هو عبارة عن مدرسة تم تحويلها لهذا الغرض بعد أن توقفت الدراسة العادية في المنطقة جراء الصراع وأصبحت ثلاثة فصول دراسية الآن موطناً لأسرّة صدئة غير متطابقة، بعضها يغطيه فرش تكسوها البقع
ويوضع المقاتلون المصابون في الغرفة الوحيدة التي بها تكييف الهواء الذي لا يخفف كثيراً من حرارة الصحراء الحارقة وفي قاعة المدرسة السابقة يسعى المدنيون للحصول على العلاج يعاني الشاب محمد المصاب بالهزال من الإنهاك الحراري وسوء التغذية وجسده متصل بجهاز تنقيط وريدي. وأوضحت المتطوعة أن هذا منظر شائع ويرسل كلا المستشفيين الحالات غير الحرجة إلى منازلهم في أسرع وقت ممكن لأنهما لا يستطيعان توفير رعاية لاحقة تُذكر.
توقفت شاحنتان من طراز تويوتا مليئتان بالجنود خارج المستشفى للاطمئنان على الأمن بعد وصول تقارير عن وجود قناص في المنطقة. وقالت عائشة وهي تقف عند المدخل : “يقول الناس أن أوباري بلدة مهجورة ولكن الحقيقة مختلفة لا يزال العديد من المدنيين يعيشون هنا ونحن نبذل قصارى جهدنا لاستمرار العمل في هذا المستشفى ولكننا نشعر بأن الجميع قد نسونا ” .
المصدر : شبكة إيرين الإنسانية .